دراسة تطبيقية لرواية «التماثيل» لـ عبـــــــدالله خلــــــــيفة
- 𝓐𝖇𝖉𝖚𝖑𝖑𝖆 𝓚𝖍𝖆𝖑𝖎𝖋𝖆

- Jan 12, 2023
- 10 min read

بنى العنوان في روايــــة «التماثیل»
1 - البنیة الأيقونة.
2 - البنیة الصوتیة.
3 - البنية الصرفية.
4 - البنیة التركیبیة.
5 - وظائف العنوان في الرواية.
أولا: الأيقونة
ترتكز هذه البنية على إبراز دلائل تصميم الغلاف، وفي مفهومها العامي علامة تحيل إلى الشيء الذي تشير إليه بفضل صفات تمتلكها، خاصة بها وحدها، سواء كان هذا الشيء"1" صفة أو كائنا فردا أو قانونا بمجرد أن تأخذ الأيقونة هذا الشيء. و تستخدم علامة له.
ويمكن اعتبار الأيقونة بمثابة عالمة محددة بموضوعها، استنادا إلى طبيعته الداخلية. وانطلاقا من هذه البنية التي تسلط الضوء على العتبات أو ما يسمى بالنصوص المصاحبة، والتي نميز بها فضاء الرواية كمفاتيح للولوج إلى رواية «التماثيل» نبدأها بصفحة الغلاف.
1 / الغلاف:
إن أول ما يجلب انتباهنا عند رؤية الرواية هو الغلاف، فهو العتبة الأولى من عتبات النص الهامة، إذ يمثل في الدراسات النصية المعاصرة حقال سيميائيا، يعج بكل ما يحتويه من مفاتيح مكتوبة (اسم المؤلف، العنوان) ومرئية (صورة، ألوان) تسمى بالمناصات أو العناصر الموازية للنص، أي ما يحيط بالنص من سياج أولي وعتبات «بصرية و لغوية»"2".
ومن هنا نجد غالف هذه الرواية "التماثيل" ملفت للانتباه ومثير للفضول، بحيث يجذب القارئ ويأسره فهو يتكون من وحدات نصية تجعل منه محطة للفت الأنظار، فالصورة الموجودة على صفحة الغلاف، تحمل داللة معينة، وكذلك الألوان المختلفة التي تشكل لوحة فسيفسائية، فكل لون له دلالة معينة يحملها في ذاته وكذلك اسم المؤلف وكذا التجنيس الذي يجب أن يكون على صفحة الغلاف، أي جنس العمل الأدبي إن كان (رواية، قصة، مجموعة شعرية) بالإضافة إلى العنوان بحد ذاته كيف كتب، بخط غليظ، وبأي لون، فالعنوان هو تلخيص لموضوع الرواية ومنه فإن الغلاف في الرواية هو كطعم يستخدمه لجذب المتلقي أو القارئ، وبالتالي فإن جمالية رواية «التماثيل» تكمن في الوحدات التي تحتويها وهي الصورة، اللون، التجنيس، اسم المؤلف، العنوان، الذي يعد وحدة كبرى تستقل بذاتها، وسنقوم بدراسة كل وحدة على حدة :
أ / الصورة:
يعتبر ماتز Mathz cheitian الرسالة البصرية مثل الكلمات وكل الأشياء الأخرى، لا يمكن أن تنفلت من تورطها في لعبة المعنى"3". أي أن الألوان والصورة دلالة كبيرة لفهم المعنى العام للنص ويعرف أفلاطون الصورة بأنها «تلك الظلال، أضف إليها البريق الذي نراه في الماء أو على سطوح الأجسام التي تلمع وتضيء كل نموذج من هذا الجنس»"4".
وتعتبر عالقة الصورة بالنص السردي عالقة وطيدة، فهي تمثل الوسيط بين النص والمتلقي، إذ يعمد المؤلف من خلالها إلى تمثيل موضوع الرواية، ليحملها رموزا ودلالات متنوعة، والصورة هنا في رواية «التماثيل» هي لوحة من لوحات الفنان، وبربط الصورة بالعنوان، وبتأويل بسيط، وهي تتموقع في وسط الرواية.
فالصورة في هذا الغلاف تمثل الصورة دلفينين مفتوحي الفم الأول كبير والثاني صغير وبجانب الدلفين الأول جريدة، وهما في هذا المشهد يمثلان الصديقان حسان يوسف وياسين الفينيقي فياسين الفينيقي قام بخيانة صديقه حسان يوسف مستخدما في ذلك الصحافة حيث قام بنشر مقال قائلا فيه بأن صديقه حسان يوسف قام بسرقة الآثار، (فحسان يوسف هو رجل فقير في حين نجد صديقه هو رجل ذا سلطة ونفوذ)، وفي الجهة اليسرى من الصورة تمثال ذهبي لياسين الفينيقي وهو رمز السلطة والتجبر والخيانة والشخصية الانتهازية المخادعة والماكرة فهو يصبو إلى الثروة، فهو لا حدود له ولا يراعي لا العرق ولا القيم ولا يعترف بالمحرمات أو الموانع الأخلاقية، إلى جانب ذلك تمثال لصديقه حسان يوسف وهو أصغر منه حجما و أقل قيمة، (هو فقير لا حول ولا قوة له وهو لا يملك أي سلطة وليس له نفوذ)، وفي أسفل الصورة كتابة صغيرة تشير إلى أن الزمن الفردوسي وهو زمن علي البحراني قد مضى وانتهى، وأنه لم يبق منه شيء في حين نجد على الجهة اليمنى من الصورة مسجدا كبيرا وضخما يشير إلى الحضارة الفينيقية واهتمامها ببناء المساجد والمحافظة على التراث وكل ما يمس القيم الإنسانية والتاريخية.
ب/ اللون:
لقد اتخذ اللون وظيفة تكنولوجية عندما حل محل اللغة، ومحل الكتابة، ولهذا وجب ربط اللون بنفسية المتحدث، وبنفسية المتلقي ثم بالوسط الاجتماعي، والبيئة المحيطة بالفنان، وتسهم دلالات اللون في نقل الدلالات الخفية والأبعاد المستترة في النفس باعتبار الصورة واللون لغة عالمية تفهمها كل الشعوب"5" والألوان هي تفسير لحالة فيزيولوجية وسيكولوجية مرتبطة ارتباطا وثيقا بحالات النفس المتقلبة وأطوارها العميقة من حب وكراهية وارتياح وطمأنينة وغيرها"6".
ويعد اللون جزء من حياتنا فهو يلزمنا ولا نستطيع أن نغفل عن النظر بجماله والتمعن فيه، فهو أهم عناصر الجمال التي تهتم بها، فبعض الألوان تروق لبعضنا وأخرى يتجنبها بعضنا، وهذا ما يؤكد بأن الألوان ارتبطت بشكل أو بآخر بنفسية الإنسان، فنجد بعض الأشخاص يستغرقون وقتا طويلا لاختيار اللون المناسب لطلاء منازلهم أو غير ذلك فقد حل اللون محل اللغة لذا وجب ربطه بنفسية المتحدث ونفسية المتلقي، ولكل لون دلالة معينة ارتبطت به.
وأهم الألوان بروزا على صفحة غلاف رواية التماثيل هي الأبيض، الأسود، البرتقالي، الأخضر، الأزرق.
وسنقوم بدراسة كل لون ومعرفة دلالته.
أ / الأبيض:
هو رمز النقاء والطهارة والنظافة ورمز النور وهو لون الأمل والتفاؤل والحياة ومن هنا نلاحظ دلالة هذا اللون على الخير والتفاؤل، وقد يكون السبب وراء ذلك عالقة الأبيض بالنور والإشراق.
ومن هنا جاء توظيف الكاتب للون الأبيض في رواية التماثيل، مجسدا إياه في شخصية حسان يوسف، فرغم كل ما يعانيه من فقر وعذاب وظلم من طرف صديقه ياسين الفينيقي ودخوله السجن بسبب خيانته له، إلا أنه لم يفقد الأمل وظل متمسكا بهذه الحياة وآمال ومتفائلا بغد أفضل يكون أكثر إشراقا، فرغم الظروف الاجتماعية القاسية إلا أنه لم يفقد الأمل، وبقي متمسكا بقيمه الفاضلة.
كما أن اللون الأبيض هو لون أصحاب الفكر الواضح النقي.
ب/ الأسود:
يرتبط الأسود بمعاني عديدة يمكن تلخيصها بالموت والدمار من جهة والمهانة من جهة أخرى وهذه المعاني ما زالت شائعة إلى يومنا هذا.
فالأسود لون يشير إلى الحزن والتشاؤم والخوف من المجهول لارتباطه بأشياء منفردة في الطبيعة دون سائر الألوان، فهو مرتبط بالليل والظلام، وجلبه لمشاعر الخوف هو السبب المباشر للنفور منه، فالظلام يحد الرؤية ويحجب الحقيقة وبكون مجالا خصبا للأوهام ويرتبط أيضا بالغدر والخيانة.
وقد وظف الكاتب اللون الأسود ليدل من خلاله على الحزن الذي يعيشه اتجاه حياته الاجتماعية المؤلمة وظروفه القاسية، وكذلك ليعبر من خلاله على أسفه وحزنه اتجاه الانحلال الأخلاقي وغياب القيم والأخلاق الفاضلة واضمحلال الزمن الفردوسي زمن علي البحراني كما استعمل الكاتب اللون الأسود ليعبر على الخيانة التي قاساها من طرف صديقه ياسين الفينيقي بسبب الوصول إلى السلطة، كما وظفه الكاتب لبدل من خلاله على الشعور بعدم الرضا بالظروف القائمة وعدم قبول الأمر على ما هو عليه، كما يدل على مقاومة القدر الذي لا مفر منه، فالزمن الحاضر هو زمن مؤرق زمن الرهانات على الثروة والمتعة والسلطة، زمن تمثله الشخصية الانتهازية والخائنة ياسين الفينيقي فحسان يوسف يمثل نزوحا إلى الماضي في حين ياسين يقتحم الحاضر ويصبو إلى الثروة والوجاهة. فهو حزين ومفجوع بالواقع المتوتر وبالعالم الذي تتراخى وتنعدم فيه التقاليد والأعراق والسنن، وتنبثق عن هذا الانهيار ظواهر وسلوكيات اجتماعية وسياسية متردية تنعكس على عقله ووجدانه فلا يرى مناصا من رثاء زمنه الضائع والتشبث بأطيافه المتراجعة، كما استخدمه الكاتب لأنه مرتبط بالليل والظالم، الذي يأتي بالشر ويخفي الحقائق.
ج/ البرتقالي:
يرمز إلى الدفء والانجذاب والشوق، فقد وظف الكاتب اللون البرتقالي لتدل من خلاله على الانجذاب والدفئ والحنين إلى الزمن الماضي، الماضي العريق، ماضي الحضارات والقيم الفاضلة والآفلة، ماضي علي البحراني الذي جاء من الصحراء، وأسس مملكة العيون، فحفر الينابيع وزرع البساتين وكشف بحيرات اللآلئ في البحر فهو زمن استخراج الثروات وحمايتها من الإرهابيين الذين يحاولون سرقة الآثار والثروات فهو مشتاق إلى ذلك الزمن في ظل الأوضاع الاجتماعية والسياسية التي يعيشها، واهتمام الناس بالسلطة والنقود ودحر وترك كل ما هو عادات وتقاليد وتراث.
د/ الأخضر:
ويرمز إلى الهدوء والحياة والاستقرار والازدهار والتطور والنماء وله دلالة على الحياة والأمل والاستبشار وبخاصة إذا جاء بعد اللون الأحمر فيكون هو الغالب والمسيطر والمطلوب.
وقد وظف الكاتب اللون الأخضر ليدل من خلاله على حب الحياة والتشبث بها مهما كانت الظروف صعبة، فرغم كل ما يعانيه حسان يوسف من ظلم وقهر وخيانة من طرف صديقه ياسين الفينيقي، إلا أنه لم ييأس ولم يفقد الأمل في الحياة وكان دائما يسعى جاهدا لإثبات براءته، وأنه مخلص للوطن، كما يدل اللون الأخضر في الرواية على حب القيادة والسيطرة وهذا ما تجسده شخصية ياسين الفينيقي من خلال استعماله جميع الوسائل الأخلاقية وغير الأخلاقية من أجل الوصول إلى السلطة وتحقيق كل أهدافه.
هـ/ الأزرق:
ينقلنا اللون الأزرق القاتم إلى عالم الخمول والكسل والهدوء والراحة واللون الأزرق الخفيف يوحي بالقلق النفسي والاضطراب والحيرة التي تتناسب مع نفسية الكاتب.
وعند العرب لم يتحدد مدلول الأزرق بل تداخل مع ألوان أخرى كالأبيض والأخضر ومن مدلولات الأزرق كذلك الصفاء والشفافية وغالبا ما تعاملت هذه الشفافية مع مفردات الواقع السياسي وغالبا ما يتصل بعالم السماء وعالم الأرض، من ماء ومحيطات وبحار وغيرها وهو أيضا يحمل دلالة الحزن والكآبة والضياع التي تتلائم ونفسية، وقد وظف الكاتب اللون الأزرق ليدل من خلاله على الحيرة والاضطراب والقلق النفسي الذي يعاني منه حسان يوسف فهو قلق تجاه الأوضاع السياسية والاجتماعية، وغياب الضمير الأخلاقي وتعفن المجتمع في الماديات وتجاهله للمعنويات، أي أن المادة هي المسيطرة، كما أنه يشعر بالحيرة اتجاه المجتمع واهتمامه ببناء العمارات الفخمة والمحلات الضخمة وتجاهله لعاداته وقيمه الإنسانية، كما يترجم اللون الأزرق في الرواية شخصية حسان يوسف على أنها شخصية هادئة متحفظة ذات قيم وطموح تنسجم مع كل مكان وتترجم الحياة ترجمة مثالية راقية.
ج/ التجنيس: «التجنيس أن تلقي أي جنس أدبي روائي كان أو غير روائي يتألف من اتفاق معقود بين المؤلف والقارئ الذي يرتبط بنوعية هذا الجنس على وجه التحديد، فالمؤشر الجنسي على ذلك نظام ملحق بالعنوان».
والتجنس يأتي ليخبر عن الجنس الذي ينتمي إليه هذا العمل الأدبي أو ذاك، فهو يعبر عن مقصدية كل من الكاتب والناشر، فالوظيفة الأساسية له وظيفة إخبار القارئ وإعلامه بجنس العمل/ الكتاب الذي سيقرؤه.
وقد جاء التجنيس في رواية «التماثيل» وسط الغلاف للفت الانتباه إلى أن العمل يعبر عن الذاتية ولتدل على جنسها «رواية» حيث كتبت بخط رقيق باللون الأسود الذي يعبر عن الكآبة والحزن تجاه الواقع المرير والحرمان من حياة الثراء والترف، والخوف من الوحدة والتوتر الذي يقاسيه في الزنازين والعذاب الذي يتعرض له يوميا واضطراب حالته النفسية.
د/ اسم المؤلف:
يعد اسم الكاتب من بين العناصر المناصية المهمة، فلا يمكننا تجاهله أو مجاوزته، لأنه العلامة الفارقة بين كاتب وآخر، فيه تثبت هوية الكتاب لصاحبه ويحقق ملكيته الأدبية والفكرية على عمله وغالبا ما يتموضع اسم الكاتب في صفحة الغلاف، وصفحة العنوان.
وقد جاء اسم المؤلف في الرواية في الأسفل تحت التجنيس، وقد كتب اسم المؤلف باللون الأسود وبخط غليظ ليدل على القوة والجرأة، وسيطرة اللون الأسود يدل على عمق الألم والحزن تجاه الحياة الاجتماعية والسياسية التي يشهدها المجتمع وتفشي الأخلاق الرذيلة وكذلك يدل اللون الأسود على الظلم الذي يعانيه في حياته.
ثانيا - العنوان
يعد العنوان من أهم عناصر المناص (النص الموازي).
والعنوان «التماثيل» جاء أعلى الصورة والتجنيس، فقد شغل مكانا على واجهة الغلاف، وطغى عليه اللون الأحمر، وقد تكرر العنوان في الصفحة التي تلت الغلاف، ولكن كتب باللون الأسود ليدل على الحزن والألم الذي يعيشه الكاتب اتجاه الأوضاع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تعيشها البلاد، وقد كتب العنوان بخط غليظ ليلفت انتباه القارئ ويجذبه، وكتب العنوان باللون الأحمر الذي يدل على الاندفاع والثورة تجاه الأوضاع التي يعيشها واندثار القيم الأخلاقية واهتمام المجتمع بالسلطة والمال والنقود دون مراعاة القيم الأخلاقية، فجاء العنوان جملة اسمية ليدل على الصمود والثبات تجاه معاناته، فالعنوان شكل مدخلا ضروريا للنص واختصارا لما جاء في الرواية، فحسان يوسف هو الشخصية المركزية وهو محور الأحداث والحركة منها تبتدأ الرواية إليها تنتهي، فعلاقة حسان يوسف بياسين في البداية كانت علاقة صداقة حميمية، إلا أن الأمر لم يبقى على حالة فتحولت تلك الصداقة إلى عداوة بسبب خيانة ياسين ورغبته في الحصول على السلطة والمال والنفوذ،
فحسان كان يعمل موظف في أرشيف الحكومة فوقع بين يديه ملف كبير وهو من عصور سالفة، تتحدث عن حكاية «علي البحراني» وكيف جاء إلى الصحراء وأسس مملكة العيون وكيف تآمر عليه أتباعه الذين أعطاهم البساتين فقتلوه فهو مؤسس هذه الأرض الخضراء المعطاء فدال علي يرمز إلى العزة والكرامة والشموخ في التاريخ الإسلامي، يرمز إلى الحضارة والأصالة وكل القيم الإنسانية، واستدعاء شخصية تاريخية إلى الواقع المعاصر ذات ثقل تاريخي إسلامي هو أشبه ما يكون بالكرامة أو المعجزة، والغاية من ذلك هو اتخاذ التاريخ ستار تنعكس فيه أحداث الأمة وواقعها المرير ومخاطبة الحاضر المتردي من خلال الماضي المشرق، وبعث علي واستحضاره لم يقف عند التعامل معه على أنه شخصية تاريخية، فعلي البحراني هو الشخص الأثيري الخرافي هو الذي يحتل فضاء الرواية ويستولي على عقل حسان وذاكرته، الجد الأسطوري الأولي المحضر على شاكلة أرباب الحضارات القديمة، أما الزمن الحاضر فهو زمن الانحلال الأخلاقي والسعي إلى السلطة فتمثله الشخصية الانتهازية والخداعة ياسين الفينيقي، فنرى في الرواية نجاحات ياسين على حساب اخفاقات حسان فياسين يستخدم كل الوسائل الأخلاقية وغير الأخلاقية للأغتناء وتأكيد وجودها من خلال ظلم المحيطين به، فالرواية تحيلنا إلى النظر إلى الواقع وأنه لا شيء ثابت على حاله مطلقا.
فالهدف منها هو إثارة قضايا اجتماعية وفكرية ينطلق منها لكشف مرتكزات وأشكال الاستغلال الاقتصادي والزيف السياسي ومراد التلوث الأخلاقي والسلطوي والإضاءة على عالم المفارقات والتحولات كما مثل المكان في الرواية حضورا روائيا بارزا فالمكتب في المحكمة التي يعمل فيها يمثل (تابوت حجري) حيث يقول:
«وعجبت كيف سأقضي أيامي في هذا التابوت الحجري الورقي، أطالع الملفات العتيقة، وهي متخثرة في زمنها تتعفن يوما بعد يوم، وليس لي سوى أن أنتظر ورقة تأتي في كل شهر لتوضع في إحدى هذه الملفات وتتكفن مع رفيقاتها، وتفقد همسها ورائحتها وروحها».
والمكان الثاني هو المصرف وهو يمثل بالنسبة إليه (زنزانة أو قفص وكل ما يراه جدران تتكاثر حوله) حيث يقول:
«قالت لي نرجس بأنني سوف أعمل محاسبا لكنني وجدت نفسي عداد نقود قابعا في إحدى زنازين واجهة المصرف محاطا بحشد من المنتظرين الذي يصطف كطابور طويل يبدأ من الحديد».
وجميعها لها دلالات بينة على شعور متفاقم بالاستلاب والقهر والعجز وكان عندما يخرج من السجن بين فترة وأخرى وتصدمه هذه التحولات في البناء والنفوس والعقول إذ يقول: «هياكل البيوت القديمة تتحول في غمضة عين إلى متاجر أنيقة أسير غريبا أحاول أن أجد وجها قديما فلا يظهر».
فعنوان الرواية «التماثيل» هي أول كلمة تطالعنا، إذ تعد الكلمة المركزية والمفتاح للولوج إلى النص فكان لها حضورا مكثفا في الرواية كما نجد ذلك في الصفحة 85, 59, 78.
والمقصود بالتماثيل: هو اسم الشيء المصنوع مشبها بخلق الله، ويكون هذا التمثال في صورة إنسان أو حيوان، كما يطلق التمثال على الصورة الموجودة في الثوب، سواء كانت هذه الصورة لأشخاص أو حيوانات ويقال في ثوبه تماثيل أو صور فالتمثال هو كل ما صور على مثل صورة من حيوان أو غير حيوان، فقد أصبحت صناعة التماثيل ووضعها على الثياب ظاهرة معروفة ومنتشرة في عصرنا الحالي وفي جميع بلدان العالم إذ نرى الكثير من الأشخاص يرتدون ملابس فيها صور لشخصيات معروفة أو صور لحيوانات.
والعنوان يختصر الهدف الأساسي الذي تتضمنه الرواية ألا وهو الكشف عن الخزي والذل والعار الذي يعيشه المجتمع الإسلامي وتفشي السلوكات السلبية في المجتمع وسيطرة رجال النفوذ والسلطة على الضعفاء وظلمهم بغية تحقيق مصالحهم وأهدافهم فالكاتب أراد من خلال العنوان أن يصور لنا الصراع بين الخير والشر والفرق الشاسع بين الزمن الماضي والزمن الحاضر زمن الانحلال الأخلاقي والجري وراء السلطة باستخدام جميع الوسائل ومنه فالعنوان كان بدلالاته الموحية متشظيا في ثنايا الرواية.
1- البنية الصوتية:
إذا كانت اللّغة كلها أصوات، والصوت هو وحدة صوتية مغري يمكن تجزيئ سلسلة ّالتعبير إليها مثل: الضاد والراء والباء في ضَرَبَ التي تمثل الأصوات الرئيسية. ومنه سنحاول إسقاط الدراسة الصوتية على العنوان، وسنبدأ انطلاقا من تقسيم الأصوات حسب صفاتها مع التركيز على الأصوات الأكثر وضوحا في تأدية المعنى.
أ- الأصوات الاحتكاكية:
تخرج هذه الأصوات عند خروج الصوت مستمرا في صورة تشرب للهواء محتكا بالمخرج. وهي على نوعين: مهموسة وهي (س، ش، ق، ت، ح، خ، هـ)، والمجهورة وهي (ذ، ط، أ، ع، غ، ل، ن، م، و، ي). ومن الأصوات الاحتكاكية التي وردت في العنوان نجد صوت (التاء، والالم، والميم، والباء، والثاء) بالإضافة إلى صوت (السين) الذي ورد بكثرة في متن الرواية.
وأول ما يلفت انتباهنا في هذه الرواية، هو طغيان صوت (التاء، والسين) فهما من الأصوات الاحتكاكية المهموسة، فصوت التاء الذي يتجلى في العنوان في حد ذاته «التماثيل» كما نجده في متن الرواية إذ يقول: «حتى امتدت يدي ذات يوم إلى ملف كبير ورحت أقرأ فيه، كُنْتُ ألتفت بين لحظة وأخرى إلى الباب لكن الباب يظل ساعات متشبثا بالجدار، فكأنني كنت أمسح الغبار، أروح أقرأ».





Comments